تقارير

عامان من الحرب.. سودانيون ينشدون السلام والعودة إلى الديار

دروب 15 أبريل 2025 – في مركز إيواء تنعدم فيه أبسط مقومات الحياة بمدينة القضارف شرقي السودان، تُكمل سمية آدم، عامها الثاني وهي مشردة من منزلها بالخرطوم نتيجة الحرب التي دخلت عامها الثالث ووضعت البلاد على شفا التمزق.

وتمر اليوم الذكرى الثانية لاندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الـ15 من أبريل 2023 بالعاصمة الخرطوم، لكنها تمددت خلال هذه السنتين لتشمل معظم انحاء البلاد فيما عدا خمس ولايات تقريبًا من أصل 18 ولاية.

تقول سمية آدم، لـ”دروب” إنها “وصلت إلى مدينة القضارف نازحة من الخرطوم مع بداية اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل من العام قبل الماضي، تذوقت خلال رحلة النزوح مرارات الجوع والعطش والمرض”، وفق قولها.

وأعربت عن أمنياتها بتوقف عاجل للحرب حتى تتمكن من العودة والاستقرار في منزلها بالعاصمة الخرطوم، فعلى الرغم من خروج قوات الدعم السريع من مدينة الخرطوم وأجزاء كبيرة من أمدرمان إلا أن سمية تتخوف من اجتياح المدينة مرة أخرى إن لم تنتهي الحرب وفق اتفاق معلوم.

أدى عامان من الصراع الدائر في السودان إلى أكبر أزمة إنسانية ونزوح في العالم، هناك أكثر من 11.3 مليون شخص نازح داخليا في البلاد – 8.6 مليون منهم فروا من ديارهم، بينما لجأ 3.9 مليون عبر الحدود إلى الدول المجاورة خلال العامين الماضيين وحدهما، بحثا عن الأمان والغذاء والمأوى، وفق الأمم المتحدة.

تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 30 مليون شخص داخل السودان يحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة، بمن فيهم 16 مليون طفل.

نازحون فارون من مخيم زمزم شمال دارفور

انهيار التعليم

وصفت لجنة المعلمين السودانيين، أوضاع التعليم في البلاد مع دخول الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عامه الثالث، بأنه “يتدحرج إلى مستويات من الانهيار، تجعل من إمكانية رجوعه إلى وضعه الطبيعي مسالة في غاية التعقيد”.

وقال المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر في تصريح لـ“دروب” إن ملايين التلاميذ والطلاب ما زالوا خارج أسوار المدارس، حيث لم يتم استئناف العملية التعليمية إلا في ولايات معينة وهي “البحر الأحمر شرقا، نهر النيل والشمالية إلى الشمال”.

أضاف الباقر، “حتى الولايات التي تم إعلان أو استئناف الدراسة بها، تعاني من صعوبات من بينها عدم توفر الكتاب المدرسي والإجلاس وعدم التزام الدولة بصرف المرتبات”.

وكشف أن نحو 4 آلاف مدرسة منهارة تماما ولا تصلح لاستئناف العملية التعليمة، بسبب تأثرها بالحرب، إما أنها أصبحت دورا للإيواء أو جرى تحويلها إلى ثكنات عسكرية أو مقابر لدفن القتلى، أو دمرت بسبب القصف والتدوين.

“المعلمون يعيشون واقعا اقتصاديا واجتماعيا مزريا في ظل عدم حصولهم على الأجر الشهري لغالبيتهم والذين يحصلون على المرتبات لا تكفي إلا لأيام معدودة، فضلا عن معاناة النزوح واللجوء”، وفق الباقر.

وأردف “هذا الواقع يجعل من التعليم بعد مرور عامين من أكثر القطاعات التي تأثرت بالحرب، في كل محاوره من “مدارس وتلاميذ وطلاب ومعلمين ومعينات البيئة المدرسية”.

مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث اليوم، تقول منظمة الأمم المتّحدة للطفولة (اليونيسف) إن حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال ارتفع بنسبة ألف بالمئة، بما في ذلك تعرّض أطفال للقتل والتشويه والاختطاف والتجنيد القسري والعنف الجنسي.

تؤكد اليونيسف أنّ عدد الأطفال الذين قتلوا أو أصيبوا بجروح في السودان ارتفع من 150 حالة مؤكّدة إلى حوالى 2776 حالة في عامي 2023 و2024.

كذلك فإنّ عدد الهجمات على المدارس والمستشفيات ارتفع من 33 حالة تمّ التحقّق منها في 2023 إلى 181 حالة في العامين الماضيين.

أطفال مع عائلاتهم أثناء فرارهم من مخيم زمزم

أصوات اللاجئين

استمتعت “دروب” لإفادات عدد من السودانيين حول تأثير الحرب على حياتهم اليومية وما عايشوه خلال رحلات النزوح واللجوء، حيث أتفق الجميع على المطالبة بوقف الصراع وتمكينهم من العودة إلى ديارهم.

تقول الصحفية نازك شمام، التي لجأت إلى دولة مصر، لـ”دروب”: “على الرغم مما تبذله الحكومة المصرية من تسهيلات للسودانيين المتدفقين على أراضيها، إلا أن مصاعب كثيرة اعترضت اللاجئين السودانيين بعد تراجع الحكومة المصرية عن اتفاقيات الحريات الأربع التي كانت تسمح لحاملي الجنسية السودانية بحرية التنقل والإقامة والعمل والتعليم”.

وأضافت أن “القاهرة تراجعت عن هذه الاتفاقية ربما خوفا على أمنها القومي مع هروب مجرمين من السجون السودانية واحتمالية لجوئهم إلى مصر”.

وذكرت شمام أنه من الصعب أن يحصل السودانيين على التعليم في المدارس المصرية مع فرض قيود على إقامتهم وضرورة حصولهم على بطاقة إقامة لاجئ من إدارة الجوازات والهجرة.

وأشارت إلى أن الوضع الاقتصادي المعقد في مصر يتسبب في عدم تقبل جزء من الشارع المصري للوجود السوداني حيث يعتقد أنه يفاقم من أزمته الاقتصادية.

وتأمل نازك شمام في العودة إلى السودان الوطن بعد تحسن الأوضاع فيه، مشيرة إلى أنه “بالفعل بدأت عودة أعداد كبيرة من السودانيين بعد تحرير الخرطوم ومدني، ولكن العودة تبقى مرهونة بوجود الخدمات والاستقرار الأمني” وفق قولها.

من جهته أعرب خميس إسماعيل، اللاجئ بدولة أوغندا، في حديثه لـ”دروب”: عن أمله في توقف الحرب والعودة إلى الديار، مشيراً إلى تدهور الأوضاع المعيشية للاجئين السودانيين بعد توقف المساعدات الامريكية التي كانوا يتلقونها.

وأشار خميس إلى أن أغلب اللاجئين السودانيين المتواجدين في أوغندا، يعتمدون على المعونات بشكل مباشر بعد أن فقدوا وأهاليهم كل مدخراتهم في الحرب التي تدخل عامها الثالث دون أن يلوح حل في الأفق بايقافها.

وأوضح إسماعيل أنه يفكر في العودة إلى السودان، ولكنه يتخوف من أن يتم استهدافه من قبل طرفي الصراع الذين يمارسون الانتهاكات ضد المواطنين بجريمة التعاون والتخابر دون أن يكون هناك اثبات أو دليل كافي.

تروي الفتاة مشكاة اسامة في حديثها لـ”دروب” كيف قضت عامين من الحرب بين جدران منزل يتصدع تحت وقع القذائف حيث تصف يومياتها وكأنها تسير على حد السكين، قائلة: “لم نعرف طمأنينة الليل ولا صباح عادي فقط دوي القصف وقلق الانتظار”.

من جهته يرى علي سعيد، أن “الحرب لم تكن مجرد صراع بين الجيش والدعم بل كانت زمنا طويلا من الفقد والحرمان، مبينا أن الحرب طالت واستنزفت كل شيء كانوا يدخرونه.

وأضاف أن “الحرب لم تترك لهم غير ندوب نفسية وخسائر اقتصادية حتى في أبسط تفاصيل الحياة”، مشيرا إلى التدهور المريع في الخدمات العامة من انعدام المياه وغياب التعليم والرعاية الصحية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى