مطالبات بإعلانها منطقة كوارث.. الحُميات تفتك بسكان الخرطوم

الخرطوم 2 سبتمبر 2025 – لم تبلغ الفتاة “م. ن” ذات الثمانية عشر ربيعاً فرحتها، إذ كانت تتهيأ لعقد قرانها في أكتوبر القادم، غير أن يد المنون سبقت، فاختطفتها متأثرة بإصبتها بحُمى مصحوبة بالنزيف، انتشرت في مناطق واسعة من الخرطوم.
تقول إحدى قريباتها لـ”دروب” إن الفقيدة زهي من سكان منطقة الشقيلاب جنوب الخرطوم، أصيبت بحُمى شديدة، سرعان ما تدهورت حالتها الصحية لتفارق الحياة بعد نزيف حاد. وتضيف بأسى: “الناس هنا يعيشون حالة من الذعر بسبب تفشي الحميات، بينما تغيب أي تدخلات حكومية أو خدمات علاجية تُذكر. المراكز الخاصة تستغل حاجة المواطنين وترفع تكلفة العلاج إلى ما يفوق 300 ألف جنيه، تشمل التحاليل والعقاقير والمحاليل الوريدية.”
يؤكد مواطنون أن معظم المرضى لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف، فيلجؤون إلى المستشفى التركي الحكومي بالكلاكلة، حيث العلاج شبه مجاني، غير أن بعد المسافة تمثل خطراً على حياة المريض في حالته الحرجة، مما يدفع الكثيرين إلى التداوي في المراكز الصغيرة داخل الأحياء.
عثمان سومانو، رجل خمسيني من سكان المنطقة، ظل طريح الفراش أكثر من عشرين يوماً بعد إصابته بالحمى. يقول لـ”دروب”: “كنا لا نخشى سيطرة قوات الدعم السريع ولا انتهاكاتها بقدر ما نخشى هذه الحُمى التي أرعبتنا منذ ظهورها. السلطات الصحية غائبة تماماً، وكأن الخرطوم بلا وزارة صحة. لم نشهد سوى مبادرات محدودة من بعض الناشطين للرش الضبابي، لكنها بلا جدوى، فالبعوض لا يزال ينهش أجسادنا ليل نهار. أما ما تعلنه الحكومة عن حملات رش بالطائرات، فلم يصلنا منه شيء.”
وناشد عثمان السلطات الصحية إعلان العاصمة منطقة كوارث لتمكين المنظمات والدول من التدخل لإنقاذ المواطنين إذا عجزت الحكومة.
وبحسب استطلاع أجرته “دروب” في مناطق وسط وشرق وجنوب الخرطوم، فقد أصيب الآلاف من السكان بحمى الضنك خلال الأشهر الأخيرة، وسط غياب تام للإحصاءات الرسمية أو التوضيحات حول طبيعة هذه الحميات، بينما تكتفي الجهات المسؤولة بالصمت أمام جائحة تتفشى بشكل مرعب.
من جهته أوضح مصدر طبي فضل حجب هويته أن بعض الحالات تبدو أشبه بالحُمى النزفية، لظهور أعراض نزف شديد لدى المرضى. وأضاف: “الغريب أن السلطات لم تعلن حتى الآن ماهية هذه الحميات، بل تستهين بخطورتها، في حين أن انتشارها يرتقي إلى مستوى جائحة معدية.”
من جانبها، روت “ا. ا” مأساة شقيقتها التي عادت إلى الكلاكلة بعد رحلة نزوح طويلة، حيث اتصلت بها لتطلب العفو وهي تحتضر من شدة الحمى، بينما أصيب جميع أفراد أسرتها بالمرض وما زالوا يعانون من تداعياته.
الخرطوم اليوم تعيش رعباً لا يقل عن رعب الحرب. تقارير طبية تشير إلى أن بعض الحالات تتشابه مع الحُمى النزفية، حيث يعاني المريض من حُمى حادة يعقبها نزيف قد يؤدي إلى الوفاة. وفي الوقت الذي تؤكد فيه المراكز الطبية الخاصة والحكومية أن الحمى المستشرية هي “الضنك”، تنتشر أيضاً الملاريا على نطاق واسع.
ويؤكد مواطن من ضاحية بري أن جميع أفراد أسرته أصيبوا بحمى الضنك، إضافة إلى عشرات الأسر العائدة من النزوح. ويقول: “لا يوجد بيت في الحي لم يداهمه هذا المرض اللعين. السبب يعود إلى تردي الوضع البيئي وتكاثر البعوض في المستنقعات ومكبات القمامة، بينما حملات الرش توقفت منذ اندلاع الحرب.”
ويطالب سكان الخرطوم وضواحيها على ضرورة تدخل السلطات بشكل عاجل، بعد فشل المبادرات الشعبية التي أنهكها الحصار والحرب، وتزايد أعداد المصابين بالملاريا وحُمى الضنك. فهم يفتقرون إلى الأدوات والآليات اللازمة لإصحاح البيئة، رغم جهودهم السنوية في النظافة وإزالة الحشائش.
وبحسب مصادر صحفية، بدأت وزارة الصحة بولاية الخرطوم إجراءات للرش الجوي باستخدام الطائرات، بعد تفاقم تفشي الحميات وسط المواطنين في العاصمة.