ترسيم الحدود بين مصر والسودان: حين تثبت القاهرة وتراوغ الخرطوم

بقلم: تماضر بكري
في قضية مثلث حلايب وشلاتين، لا مجال للمجاملات أو التردد. مصر واضحة، والسودان متذبذب. هذا هو الواقع، مهما حاول البعض تغليفه بشعارات الأخوة أو التاريخ المشترك.
مصر، منذ اتفاقية 1899، لم تتزحزح عن موقفها. السيادة ليست ورقة تفاوض، بل حقيقة تُثبت على الأرض. القاهرة لم تكتف بالخرائط، بل عززت وجودها في حلايب بالخدمات، بالبنية التحتية، وبالناس. رفضها للتحكيم الدولي ليس تعنتًا، بل تأكيد على أن الأرض مصرية، بلا مواربة.
أما السودان، فالقصة مختلفة. حكومة الإنقاذ، التي حكمت لثلاثة عقود، لم تحسم موقفها. رفعت شعار المطالبة، لكنها لم تتقدم خطوة واحدة نحو التفاوض الجاد أو التصعيد القانوني. بل استخدمت الملف كورقة سياسية داخلية، تلوّح بها حين تشاء، وتغض الطرف حين تقتضي الظروف.
هذا التذبذب أضعف الموقف السوداني، وأفقده الزخم. فكيف لدولة أن تطالب بأرض وهي عاجزة عن تثبيت موقفها؟ كيف تُدار قضية سيادية بمنطق المساومات؟
اليوم، وبعد سقوط الإنقاذ، لا يزال السودان يبحث عن رؤية واضحة. لكن الحقيقة تبقى: مصر موجودة في حلايب، تنمّيها، وتخدم أهلها، وتعتبرها جزءًا من ترابها الوطني. والسودان، رغم كل التصريحات، لا يملك إلا المطالبة النظرية.
الحل؟ الحوار، نعم. لكن الحوار لا يعني التنازل. ولا يعني أن مصر ستساوم على أرضها. بل يعني أن على السودان أن يواجه الحقيقة، ويعيد ترتيب أولوياته، ويكف عن استخدام قضية الحدود كأداة سياسية.
السيادة لا تُستعار، ولا تُؤجل. ومصر، في هذا الملف، أثبتت أنها تعرف جيدًا كيف تحمي حدودها، وتحترم جيرانها، دون أن تفرّط في شبر واحد.