حقائق

خفض المساعدات يضع اللاجئين السودانيين بـ”أوغندا” أمام عنف مفتوح

دروب 12 يوليو 2025 – بات اللاجئون السودانيون في مخيم كرياندنقو في أوغندا أمام عنف مفتوح، بعد تصاعد وتيرة الهجمات والاعتداءات عليهم بدافع النهب والسرقة، كنتيجة للجوع الناجم عن خفض المساعدات الإنسانية، وفق عاملة في المجال الإنساني.

وتعرض مخيم كرياندنقو نحو 200 كلم شمالي العاصمة الأوغندية كمبالا، إلى أحداث عنف تعتبر الأكبر من نوعها مساء الخميس الماضي، بين لاجئين سودانيين، ولاجئين من دولة جنوب السودان داخل المجمع السكني المُعرّف بـ”كلستر L” شرق، استخدمت فيها الأسلحة البيضاء والحجارة؛ مما أدى إلى وقوع نحو 20 اصابة بعضها خطرة.

وحسب المكتب القيادي لمجتمع اللاجئين السودانيين بمخيم كيرياندونغو، فإن ثلاثة أشخاص حالتهم حرجة حيث تعرض الأول إلى طعنة بآلة حادة أثرت على الكبد والمرارة، مما استلزم إجراء عملية جراحية لاستئصال المرارة وإصلاح الكبد والحجاب الحاجز، ويرقد الآن في العناية المركزة، وفق بيان اليوم السبت.

كذلك يرقد الثاني في العناية المركزة بعد تعرضه لإصابة في الرأس تسببت في نزيف داخلي وتأثير بالغ على الدماغ، وفق البيان.

وتدخلت الشرطة الأوغندية واحتوت الأحداث، لكن ما تزال المخاوف حاضرة من تجدد العنف في أي لحظة، وسط فرار نحو 100 أسرة من اللاجئين السودانيين، من مساكنهم في المخيم الذي شهد أحداث العنف، والإقامة أمام منطقة الاستقبال التي تضم مكاتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والسلطات الأوغندية، كما ذهب آخرون إلى داخل المدينة، وفق ما كشفه اللاجئ السوداني إسماعيل أحمد لـ”دروب”.

ماذا حدث؟

وقال إسماعيل أحمد الذي يقيم في المجمع السكني الذي شهد الاعتداء “في تمام الساعة 9 مساءً بتوقيت أوغندا، تفاجأنا بمجموعة كبيرة من الشباب ينتمون إلى دولة جنوب السودان، يحملون سكاكين وسواطير وحجارة، وانهالوا علينا بالضرب، ولم نتمكن من صدهم، مما دفعنا للاستنجاد بالسودانيين الذين يقيمون في الأجزاء الأخرى من المخيم”.

ويضيف “عشنا لحظات مرعبة، فكان الهجوم صعباً واستهداف عشوائياً. في الفترة السابقة تعرضنا إلى اعتداءات فردية من شباب لاجئين من جنوب السودان، وكانت بدافع النهب والسرقة، لكن ما حدث يوم الخميس كان أكبرها وأخطرها، نحن خائفون ولا نشعر بالأمان، ونصف سكان مجمعي السكني البالغ عددهم نحو 200 أسرة غادروا مساكنهم”.

وتابع “اللاجئون من دولة جنوب السودان، أبدوا غبنهم وغضبهم على اللاجئين السودانيين، لأنهم يشاركونهم المساعدات الغذائية الشحيحة المقدمة، وأصبحوا فاعلين أكثر منهم في المنطقة، كما خصصت لهم مفوضية شؤون اللاجئين، أراضي للسكن كانت في السابق يستغلها اللاجئون الجنوبيون لأغراض الزراعة وتحقيق مكاسب معيشية كبيرة، والآن فقدوا كل هذه الامتيازات”.

يقيم اللاجئون من دولة جنوب السودان في مخيم كرياندنقو منذ اندلاع الحرب في بلادهم منتصف ديسمبر 2013، وطوال تلك الفترة ظلوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية والمساعدات الغذائية في معاشهم.

ومنذ يناير الماضي، خُفضت المساعدات الغذائية للاجئين في أوغندا إلى نحو 5 دولارات للفرد في الشهر، بينما أصبح الدعم لا يشمل العديد من الفئات، مما أدى إلى تدهور كبير في الأوضاع الإنسانية في المخيمات، وكثرت حوادث النهب والسرقة.

هجوم منظم

وبحسب مسؤول الصحة في المكتب القيادي لمجتمع اللاجئين السودانيين في أوغندا، د. السنوسي يوسف، فإن هجوم الخميس الماضي تسبب في إصابة 20 لاجئاً سودانياً، بينهم حالتان على الأقل خطرتين، وتم إسعاف جميع الحالات إلى مستشفى منطقة قولو المجاورة.

وقال يوسف لـ”دروب” إن “الأحداث بدأت بعد تعرض أحد اللاجئين السودانيين للنهب ليل الخميس على يد لاجئين من جنوب السودان، وعند محاولة ملاحقة الجناة، تجمع نحو مائة شاب، وهاجموا السودانيين، كانوا يضربون المساكن من الخارج وأبوابها بالأسلحة البيضاء، والاعتداء على السكان بداخلها”.

وأضاف “بدأ الهجوم كأنه منظم، فبعد أن تداعينا لمساعدة بعضنا، اختبأ المعتدون في مزرعة من عيش الريف، وحصبونا بالحجارة، وقد حضرت الشرطة متأخرة، وكان عدد أفرادها قليلين، فساعدهم الشباب السودانيون بدوريات مشتركة. كانت الاعتداءات مستمرة حتى أمس الجمعة، فقُبِض على ثلاثة جناة على الأقل وتسليمهم إلى الشرطة”.

وذكر أن الاعتداءات على اللاجئين السودانيين ازدادت خلال الخمسة أشهر الأخيرة، مما دفعهم إلى عقد اجتماع مشترك قبل ثلاثة أشهر ضم مكتب رئيس الوزراء الأوغندي ومشايخ اللاجئين الجنوب سودانيين، واُلْتُزِم بحسم التفلتات، وتضمن إقرار بأن هذا المجتمع غير مسالم، ويستوجب الحذر التام.

وأمس الجمعة، عقد ممثلي اللاجئين السودانيين، اجتماع مشترك مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومكتب رئيس الوزراء الأوغندي، بغرض بحث حلول للأزمة الأمنية في مخيم كرياندنقو.

وقال السنوسي يوسف إن “الجانب الأوغندي تعهد بتوفير الأمن وقدرته على حسم أي تفلتات، بينما التزمت المفوضية السامية بتقديم الدعم اللازمة للحماية، واعتذرت عما حدث، لكن في ذات الوقت حثوا اللاجئين على الدفاع عن أنفسهم حال تعرضوا لأي اعتداء، وأن الشرطة مستعدة للتدخل بعد إبلاغها بأي هجوم، فهي لا تنتشر في المخيم، بل تبقى في مركزها المجاور، وعلى إثر ذلك شكلنا ورديات من شباب المخيم للحراسة ليلاً”.

نقص الغذاء وراء العنف

ويضم مخيم كرياندنقو 17 مجمعاً سكنيا، يقيم فيها لاجئون من جنوب السودان وبورندي، والسودان وهم الأكثر عددا، بشكل مختلط، ويحصلون على المساعدات الإنسانية في أماكن مشتركة وفق ما ذكره مصدر بالمخيم لـ”دروب”.

وقال المصدر إن السلطات الأوغندية أحصت 2000 شاب من جنوب السودان وصلوا إلى مخيم كرياندنقو خلال 7 أشهر ماضية، بسبب الاضطرابات العسكرية في دولة جنوب السودان، مما أدى إلى مزيد من تدهور الأوضاع في المعسكر خاصة في ظل نقص الإغاثة، وحاجة اللاجئين المستمرة للوصول إلى الطعام.

وذكرت عاملة في المجال الإنساني لـ”دروب” أن شح الغذاء وخلق تنافس على الموارد المحدودة سبب أساسي في انتشار العنف، والاعتداءات في مخيم اللاجئين شمالي العاصمة الأوغندية.

وقالت إن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أخطأت بوضع اللاجئين السودانيين مع لاجئ دولة جنوب السودان، وخلق نوع من التنافس بينهم على موارد شحيحة، فجعلتهم يحتكون في طوابير توزيع الغذاء القليل حيث يتدافع ويجتهد كل طرف للوصول إلى حصة من الطعام، فيسقطون ويصابون بأذى في مشاهد مهينة للكرامة الإنسانية.

وأضافت العاملة التي طلبت عدم ذكر اسمها لحساسية موقعها أن “المفوضية خصصت أراضي كان يستغلها اللاجئون الجنوب سودانيين في الزراعة وكسب العيش، وكان ينبغي تعويضهم تفاديا للمشاكل.

وترى أنه لا ينبغي وقف الغذاء عن لاجئ حرب ليس له عمل، وتقول “يتعرض اللاجئون السودانيون إلى اعتداءات ونهب مستمر، ولا يستطيعون التحرك بعد مغيب الشمس. توفير الأمن والغذاء مسؤولية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.

وفي المقابل، لا يعتقد مسؤول الصحة بمجتمع اللاجئين السودانيين د. السنوسي يوسف، أن نقص الغذاء سبب في هذه الهجمات، حيث كانت الاعتداءات حاضرة عندما كانت الإغاثة متوفرة.

وشدد اللاجئ السوداني إسماعيل أحمد في حديثه لـ”دروب” على ضرورة ترحيلهم أو نقل اللاجئين من دولة جنوب السودان – حسب ما تراه السلطات مناسبا – إلى مخيم بديل؛ لأن التعايش المشترك بات مستحيلاً بسبب الشرخ الذي أحدثه الهجوم الأخير، وربما يتجدد في أي وقت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى