“تطويق الخنادق والبنادق”.. ماذا تبقى من حياة في الفاشر؟

دروب 30 يونيو 2025 – تجلس الحاجة حلمية تحت حرارة الشمس خاوية البطن، وهي تنتظر توزيع وجبة بأحد المطابخ المجانية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور غربي السودان، يملأها اليأس تجاه ما وصل إليه الوضع الإنساني في المدينة، ومع ذلك تمني نفسها بانفراج قريب بعدما باتت في مواجهة الموت.
تقول حليمة 75 عاماً لـ”دروب” “لم يتبق لنا ما نأكله، ليس لدينا طعام كثير، إذ نتناول وجبة واحدة في اليوم وهي عبارة عن أمباز، وتمزقت ثيابنا، يقولون لنا اصبروا داخل أرضكم ولا تغادروها. تقدمت في السن وربما نموت، لكني أخشى على الأطفال الصغار وحياتهم المستقبلية”.
تجسد هذه المسنة واقع الحال في مدينة الفاشر التي تشهد تدهوراً مستمراً في الأوضاع الإنسانية مع تشديد الحصار المفروض عليها بواسطة قوات الدعم السريع والتي تخطط للسيطرة عليها، وهي آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور.
وبحسب مصدر محلي تحدث مع “دروب” فإن قوات الدعم السريع حفرت خنادق طويلة حول الفاشر وتركت مسارات محددة، ووضعت عليها حراسات مشددة.
ووفق المصدر أن الدعم السريع استبدلت عناصرها السابقين في نقاط التفتيش بمداخل الفاشر، بآخرين شديدي الولاء والصرامة، بعدما ثبت تورط الأوائل في عمليات اتجار في السلع الغذائية والذرة، والسماح بدخولها إلى عاصمة شمال دارفور لتحقيق مكاسب مالية.
ارتفاع الأسعار
وارتفعت أسعار السلع الغذائية في الفاشر بصورة غير مسبوقة، بينما انعدمت بعض الأصناف مثل الأرز والمكرونة ودقيق القمح والتوابل، كما توقفت معظم المطابخ المجانية التي كانت تشكل ملاذا لسكان المدينة، وتبقى مطبخين فقط تعملان لتقديم وجبة واحدة في اليوم بدلاً عن وجبتين في السابق، وذلك وفق ما كشفه المتطوع في الفاشر محمد الرفاعي لـ”دروب“.
وقال الرفاعي إن “قوات الدعم السريع شددت الحصار على الفاشر مما تسبب في غلاء طاحن، إذ وصل سعر جوال البليلة العدسية مليون و800 الف جنيه، وجوال الدخن مليون ونصف، وجركانة الزيت مليون جنيه، وكيلو العدس 60 الف جنيه، وهي مبالغ لا تتوفر لدى المواطنين، كما توقفت التكايا نتيجة شح الدعم مقارنة بمستوى الأسعار”.
ويضيف “كان بعض التجار يستغلون الحمير لجلب الغذاء لسكان الفاشر، لكن قوات الدعم السريع شددت الحصار، وأوقفت هذا النشاط، مما ساهم في زيادة الأسعار، ووصلت الندرة حتى إلى الأمباز الذي يعتمد عليه معظم السكان كغذاء، نتيجة توقف المعاصر بعد نفاد الفول السوداني”.
ومع تدهور الوضع الإنساني، دفعت الأمم المتحدة بمقترح لهدنة إنسانية في الفاشر لمدة أسبوع بهدف إدخال الغذاء، وأبدى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان موافقته عليها، بينما يكتنف الغموض موقف قوات الدعم السريع منها، رغم تصريح عدد من مسؤوليه برفضها.
لا حياة
ويشير المتطوع محمد الرفاعي إلى وصول سعر جركانة الجازولين سعة 4 جالون، مبلغ 2 مليون جنيه، لكن السلطات الحكومية تعطي الطواحين ومحطات المياه وقودا بسعر مخفض، مما ساهم في استقرار مياه الشرب، غير أن المشكلة في الغذاء، فحال فشلت الهدنة المقترحة سيشهد العالم كارثة غير مسبوقة في الفاشر.
وانتقلت المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى الفاشر في أبريل من العام 2024م، ومنذ ذلك الحين تعيش المدينة وسكانها تحت القصف والحصار الشديد من قوات الدعم السريع التي تسعى للسيطرة على المدينة وهي آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور، الشيء الذي أدى إلى كارثة إنسانية في المنطقة.
ولم تعد مغادرة الفاشر بالمهمة السهلة، وتتطلب مبالغ مالية، لاستئجار حمير وهي الوسيلة الوحيدة المتبقية للمواصلات في المدينة، أو السير بالأقدام مسافة 3 ساعات للوصول إلى منطقة “قرني” غرب عاصمة شمال دارفور، وذلك وفق ما قاله إسحاق أحمد الذي نزح منها إلى طويلة الأسبوع الماضي.
وقال أحمد في حديث لـ”دروب” “لا توجد حياة في الفاشر، جميع من تبقون هناك يواجهون الموت، كل السلع الغذائية غالية الثمن، والمواطنين لا يملكون المال ونتيجة ذلك لم يتمكن كثيرون من المغادرة”.
ويضيف “لم يعد أمامي خيار غير المغامرة والمغادرة من الفاشر، لقد خرجنا بالحمير في رحلة صعب وقاسية، لكن توفقت في الوصول إلى طويلة بشمال دارفور”.