أمة متألمة ونخبة بلا ضمير

عزيز الدودو
تزداد معاناة الشعب السوداني يومًا بعد يوم، بينما تتكشف لنا حقيقة مؤلمة عن نخبته التي يبدو أنها تفتقر إلى أي حس أخلاقي أو وطني. إن تصريحات رئيس الوزراء الجديد، كامل إدريس، والمثقف الإنتهازي عبد الله علي إبراهيم، ليست سوى دليل صارخ على تواطؤ هذه النخبة مع المؤسسة العسكرية الفاسدة، مما يغرق البلاد في دوامة من الهلاك.
عبد الله علي إبراهيم، الذي يتظاهر بالوطنية، ليس إلا شخصًا متعصبًا جهوياً، يدافع عن الجيش لا حبًا فيه، بل لأنه يخدم مصالحه الجهوية والقبلية. يدعو إلى حرب عبثية، متجاهلاً تاريخ الجيش السوداني الملطخ بالانقلابات والمجازر بحق الشعب. كيف لمثقف أن يمجد جيشًا لم يحقق أي انتصار يذكر منذ عام 1955، بل كان أداة لقمع ثورات المظلومين؟
في الوقت الذي يجلس فيه إبراهيم مستمتعًا بقهوته الساخنة على شرفة منزله الفاخر في نيويورك، محرضًا على استمرار الحرب، يعاني السودانيون الأمرين. منهم من فقد عائلته وممتلكاته، ومن لا يجد قوت يومه أو دواء لمرضه، ومن يموت جوعًا أو عطشًا. كل هذه المآسي لا تحرك ساكنًا في ضميره، وكأن الحرب هي الغاية النبيلة. هل مهمة المثقف هي الدعوة إلى الحرب وإثارة الكراهية والتعصب، بينما كل ذلك يؤدي إلى دمار شامل؟ إذا كان المثقف يضرب طبول الحرب ويمجد الزي العسكري، فماذا يبقى للرجل العادي؟
من المفارقات المحزنة أن الجيش السوداني، الذي من المفترض أن يحمي الوطن، يبدو وكأنه صُمم لقتل الشعب السوداني. فأراضيه محتلة منذ سنوات، لكن بنادقه موجهة نحو أبناء الوطن، بينما تحالفاته العسكرية والسياسية مع دول تحتل أرضه وتسرق موارده، مثل مصر. هل نحن أمام سقطة تاريخية، أم أننا عالقون في حالة جنونية لا نهاية لها؟ إلى متى سنظل في هذا الوضع المزري؟ وإلى أين يقودنا هؤلاء الحمقى من النخب المنحطة أخلاقيًا وفكريًا؟
لا يقل رئيس الوزراء الجديد، كامل إدريس، سوءًا عن عبد الله علي إبراهيم. فمن أنانية عبدالله إبراهيم إلى سفاهة إدريس، الذي ظل يلهث خلف السلطة منذ عهد البشير، ومرورًا بأيام الثورة، حتى جاء الانقلابي البرهان ليلقي له بفتات سلطته المتهاوية. يجتمع الاثنان التعيسان، كما يقول المثل: “المتعوس وخايب الرجا”. إدريس، المريض هو الآخر، ينتمي إلى نفس المحيط الإجتماعي والثقافي الذي ينحدر منه عبدالله علي إبراهيم وجميع النخب الحاكمة منذ الاستقلال، التي أودت بالسودان إلى الهاوية وما زالت تتوق إلى المزيد من المكاسب على حساب الغالبية العظمى من أبناء الشعب السوداني الذي ظل يدفع ثمن بقاء هذه النخب الفاسدة في السلطة.
عندما وصل كامل إدريس إلى مقعد رئيس الوزراء، معينًا من قبل الانقلابي البرهان في ظل ظروف معقدة، كان من الحكمة والصواب أن يقدم خطابًا تصالحيًا يجمع به أهل السودان ويفتح الباب أمام التصالح والوفاق. لكنه بدأ حديثه بالغطرسة والغرور والتباهي بلغاته الأجنبية، وكأن مشكلة السودان هي مشكلة لغة وهندام وقلة اعتزاز بالنفس.
إن كامل إدريس “المتأسلم” الذي يرتدي ثوب الليبرالي، وعبد الله علي إبراهيم المثقف الجهوي المضطرب نفسيًا وأخلاقيًا الذي يرتدي ثوب الماركسية، هما وجهان لعملة واحدة. إنهما جزء من النخب الإجرامية التي أدمنت التلون والتلاعب بعقول ومشاعر الشعب السوداني. لقد كشفت هذه الحرب عوارهم وعرتهم أمام الرأي العام. هؤلاء النخب جميعهم منافقون لا يؤمنون بأي قضية أو مبدأ أخلاقي. هم مجرد أناس تملأهم الأنانية والعصبية الجهوية العرقية، يتلونون بكل الألوان، لكنهم جميعًا مخلوقات طفيلية تتغذى على دماء وأجساد الشعب السوداني المقهور والمظلوم والمخدوع باسم الدين تارة وباسم الوطنية تارة أخرى.
تبقى الحقيقة أن النخب التي تصدرت المشهد منذ الاستقلال، أمثال كامل إدريس وعبد الله علي إبراهيم وغيرهم من المثقفين والسياسيين السودانيين، هم من أسوأ النخب وأكثرها انحطاطًا على مستوى إفريقيا والعالم العربي. فالسودان ظل من أفقر الدول وأكثرها فشلاً، رغم الموارد الكثيرة المتوفرة فيه. يموت شعبه جوعًا في بلد يعتبر سلة غذاء العالم، ويموت عطشًا في بلد يمر به أطول نهر في العالم.
هل حان الوقت ليستفيق الشعب السوداني من هذا الكابوس الذي فرضته عليه هذه النخب الفاسدة؟